من العتمة إلى النور ولد الكون بمكوناته وعناصره وطبقاته، فالطبيعة نتاج مخاض الوجود، وكما كانت مصدراَ للغذاء كذلك كانت مصدر كفاء وسكينة وكساء، بتعدد ألوانها، وما تمنحه الألوان من طاقة ناتجة عن ذبذباتها في الكيان المحيط وفي الإنسان.
حكاية للون قديمة قدم الزمان، مرتبطة بوعينا البشري، وبتطور العقل ازداد تبصر الإنسان بالأشياء فعرف دلالة الألوان بفطرته وذكائه، واكتشف تأثير الألوان على نفسه، وغزت حياته بدءاَ من ممارسة الشعائر الدينية.
تجلى ذلك عند الحكماء والمستنيرين الذين عرفوا أسرار الكون والطاقة ومصدر الأشعة وذبذباتها.
من يومها أدخل الإنسان اللون في طقوسه، وما ملابس الكهنة بألوانها الأحمر والبرتقالي والأزرق، وألوان جدران المعابد، إلا تجسيد لمدى إدراك الإنسان لطاقة الألوان في معتقداته. حتى أنه أوجد من اللون لغة توحي بالصفة أو الدرجة أو الطبقة الاجتماعية. وفي الحضارات القديمة، إغريقية وفرعونية وحضارة ما بين النهرين، كان للون أهمية خاصة في المعابد.
كما كان للألوان خصوصية من حيث مكانة الأسى، فلكل شريحة اجتماعية لونها الذي تعرف به وبخاصة في الملبس. كما استخدم اللون في تلك الحضارات كطاقة استشفائية، وقد عرف المصريون القدماء طاقة اللون واستعملوه على نطاق واسع، ودعي (الاستشباس) أي المعالجة بأشعة الشمس. وقد لاحظوا قوة تأثير أطياف اللون على الجسد، كما لاحظوا قوة وتأثير الأحجار والكريستال على الصحة بأبعادها الجسدية والنفسية والعقلية.
وكثير من أدويتهم في ذلك الوقت مزجت بالذهب واللؤلؤ والياقوت وغيرها للمعالجة من الأمراض. وللألوان دلالات تختلف من ثقافة إلى أخرى، كان يرتدي البعض الأحمر في الأعراس والأبيض في الحداد والبنفسجي للأرامل، كما عرف الأسود بأنه لون الحداد في الغرب. فاللون يمتاز بالقوة، يحرض ويثير، يهديء ويسكن، يشعرنا بالدفء حينا والبرودة حيناَ آخر. يمنح السعادة والصحة النفسية حينا ويدل على البؤس حيناَ آخر.
إن فهم طاقة اللون يفتح بعداَ جديداَ في آفاق الوعي، لقدرته على تحويل البيئة، والنهوض بمستوى الإنتاجية الإنسانية، والتعديل من الحياة الاجتماعية، وتطوير الحالة الصحية ليجعل من الإنسان كوناَ نابضاَ بالحيوية. كما أن للون القدرة التأثيرية على تفكير الإنسان الواعي وغير الواعي، ومن هنا فإن استخدام اللون في حياتنا على علاقة بالمؤثر الفيزيولوجية، سواء في الملبس أو البيئة المحيطة وعبر هذا الفهم يمكن التوصل إلى التعامل مع اللون بشكل إيجابي وفعال.
يحفل الكون المحيط باللون، بعناصره الكونية الخمسة.
فالسماء بنجومها وكواكبها وأطياف شمسها، والأرض بتربتها وصحاريها وأشجارها وبكل ما تختزنه من ثروات ومعادن، والنار بلهيبها ودفئها والماء بتموجاته وتدرج ألوانه.. كلها ألوان تتفاعل مع طاقاتها ونعيشها في كياننا بمختلف الأشكال. فألوان الطيف جسر بين عالم الروح وعالم المادة، وفي التقاء النور بالظلمة ولد اللون.
استخدم الطب النفسي الألوان لعلاج الكثير من الحالات النفسية والعاطفية والعقلية، التي تصيب الإنسان.
لأن اللون بإشعاعاته وذبذباته ذو تأثير بالغ على الحالة الشعورية، ويستطيع كل فرد أن يختبر ذلك بنفسه..
كم مرة أقعلنا عن ارتداء لون معين لما له من تأثير والحالة المزاجية التي نكون بها، وكم من المرات أقبلنا على نفس اللون لتبدل الحالة المزاجية.
إن النور المنبعث من مجموعة الألوان يدخل العين ويؤثر في مركز المشاعر عن طريق الغدة الصنوبرية والنخامية (رغم قلة البراهين العلمية على ذلك).
فالناس ينجذبون لألوان معينة حسب شخصيتهم واحتياجاتهم النفسية وظروف حياتهم وبيئتهم وعملهم.
وبالعودة إلى ألوان الطيف، وألوان مراكز الوعي فإننا نجد أن الإشعاعات اللونية تتغلغل في مراكز وعينا التي لكل منها لونه الخاص، فمركز الوعي الأول يتميز بلونه الأحمر (الشاكرا الجذرية أو الغدة الأثيرية) وهو اللون المميز للطيف الأول لحالة الوعي الإنساني، فيما مركز الوعي الثاني (الشاكرا الوجودية) تتميز بلونها البرتقالي، أما لون مركز الوعي الثالث (شاكرا الصغيرة الشمسية) فاسمها عنوان لونها، إذ تمتاز بلونها الأصفر..
إنها مركز المشاعر والعاطف.
وانتقالا منها إلى مركز الوعي الرابع، مركز القلب (البيت المعمور) بلونه الأخضر، حيث السكينة والحب والسلام، صعوداً إلى مركز الوعي الخامس (شاكرا الحلق) بلونه الأزرق الشفاف، المسكون بالوعي والمعرفة والذي يعتبر الدرجة الأولى للالتقاء بروحانيات الإنسان.
وصولاَ إلى مركز الوعي السادس (الشاكرا الجينية) بلونه النيلي، موطن البصيرة والحكمة، وارتقاء إلى مركز الوعي السابع (الشاكرا التاجية) بلونه البنفسجي، رمز الإيمان والاستنارة.
هذه المراكز تظهر القدرة الاستشفائية للألوان وما تقدمه للجسد بكل أبعاده المادية والأثيرية والشعورية والعقلية والروحية.
اللباس واللون:
ما اللون المفضل لك؟ما الذي يقوله ذلك اللون؟ما هو تأثير لون اللباس على الجانب النفسي للإنسان؟الأحمر: لون الطيف الأول ويمنح هذا اللون الطاقة والقوة والإرادة لمرتديه، يوحي بالشغف ولفت أنظار الآخرين، يمنح الدفء العاطفي ويرمز إلى الفطرة المتأصلة والتعلق بالأمور المادية.
البرتقالي: اللون الثاني لأبعاد الجسد، إنه المحرض للقوة والشجاعة، يدفع للحماسة وروح الدعابة، يمنح البسمة للنفس والآخرين مما يبعد عنها الكآبة، يقوي المحادثات والمفاوضات في جوانب الحياة المتقدمة.
الأصفر: الشمس، العبقرية، الذكاء والسلطة، يفتح العقل على تقبل الأفكار الجديدة، يدفع إلى التفاؤل والتفكير الإيجابي والخلاق لمن يرتديه، مرتبط بمركز الوعي الثالث (المشاعر).
الأخضر: كما الطبيعية في قدرتها على منحنا السكون، كذلك هو الأخضر، يولد السكون والطمأنينة في أنفسسنا ومن حولنا.
ومحبي هذا اللون يقدرون تماماَ الطبيعة وسر الوجود والانبعاث والتجدد، كما يتصفون بالاستقامة والمحبة وهو مرتبط بمركز الوعي الرابع.
الأزرق التركوازي: يمثل الوضوح والتجدد، وضوح الأفكار والمشاعر، يولد الصفاء في العلاقات، وارتداؤه يمنح النضارة والإشعاع، يرتبط بالجمال والذوق ويثير إعجاب الآخرين.
الأزرق: يرمز للروحانية والأوامر، يعلن عن السلام الداخلي والهدوء، بالإضافة إلى رباطة الجأش. وهو لون مركز الوعي الخامس (شاكرا الحلق) حيث التعبير والمعرفة.
الفوشيا: يضفي شعوراَ بالعذوبة والرقة واللطف، وبسبب اشتقاقه من الأحمر فإنه يرمز إلى الماديات
الزهري: رمز الأنوثة، يعبر عن الطيبة والبراءة .
النيلي: الحكمة والبصيرة والنبل والتفتح، يعبر عن الحكمة وقد وصفه الناس بالأزرق الملوكي لما يحتويه من خصوصية النبل.. إنه لون مركز العين الثالثة.
البنفسجي: لون الاستنارة والتفتح والتوغل داخل النفس البشرية.
يعبر عن احترام النفس والشرف يفضله الفنانون كونه ينقلهم إلى عالم الإبداع والماورائيات. في شفافيته يحمل ذبذبات الوحدة كما يمنح صفات الصبر والتسامح وقوة الحدس.
الأسود: الكثير لا يعتبرونه لوناَ، إنه لون رجال الأعمال والكهنة، لما يعكسه من سلطة وقوة، لون الغموض والسرية كما أنه اللون المفضل لمن يميلون إلى التقاليد والمظهر المحترم.
الأبيض: إنه كل الألوان مجتمعة، يمثل الشفافية والنقاء والصفاء والعذرية، يمنح البرودة واللطف في الأجواء الحارة.
البني: هذا اللون مرتبط بالأرض والثبات، فهو مزيج من الأحمر والأسود، لهذا يقترب من خصائص اللون الأسود من حيث القوة والسلطة والثقة الأكيدة، ومن يرتدي هذا اللون مكرس للوفاء للعمل والأسرة والأصدقاء. انهم عمليون في حياتهم، ميالون للتعمق في الجذور والتفاصيل ويتفاعلون مع الأمور المعقدة بشكل بسيط ومباشر.
هكذا يمكن للإنسان أن يقدم لنفسه شكلاَ من أشكال الاستشفاء عن طريق اللون، إلا أن السؤال الذي يطرحه الجميع هو: كيف يتم هذا؟ لا أحد يعرف حاجات الإنسان كنفسه، فهو يستطيع أن يبصرها بما حباه الله من عين داخلية، وأذن داخلية.
وارتداء أي لون من الألوان وفق ما يحتاج إليه على الصعيد النفسي يجلب له ذبذبات اللون نفسه من الأثير والتي تتغلغل وبشكل غير مرئي عبر أجسامه الباطنية ومراكز وعيه، وتملأ تلك الفراغات في داخلها باللون المطلوب التي يغذيها ويمنحها مؤثرات اللون وسماته.
فإن احتجنا للسلام والحب يمكن أن نرتدي اللون الأزرق واللون الأخضر، وإن احتجنا لقوة الإرادة والحضور نرتدي الأحمر.
وهكذا نلبي من خلال اللون دعوة الجسد بأبعاده، ونرمم ما تبعثر من طاقات لخيرنا ولخير المجتمع، لأن اللون هو أحد لغات الروح، يهمس لنا بحاجاتنا وقدرتنا